الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة "مرا في صف الرجال": مسرحية جديدة لمقداد الصالحي تستحضر نضال نساء ريف الوساعية ومن دافعن عن شرف الأرض بـ"الفأس"

نشر في  31 أكتوبر 2016  (09:52)

"مرا في صف الرجال" عمل مسرحي من إنتاج شركة مينرفا للفنون الركحية بسبيطلة لسنة 2016 /2017 إخراج وتمثيل الفنان مقداد الصالح، نص وتمثيل الفنانة زينة المساهلي، سينوغرافيا وملابس زمردة الماجري، تقني اضاءة عبد الله الشبلي، تقني صوت حافظ المزغني، ديكورالتليلي بالخير.

في جو مشحون بالألم تستقبل المعلمة "سندة " العقد الخامس من عمرها حيث تشعر بانسحاب الفرح من حياتها ومما يزيد في تفاقم المأساة التي تعايشها هذه البطلة مرورها بسن اليأس لتتأكد بأنها ستبقى عاقرا دون أمل في الإنجاب والخصب... وأخيرا تلتجئ للزوج لالتماس بعض خيوط الضوء والفرح ولكنها تصطدم بعدم مبالاة هذا الشريك الذي يهجرها بحثا عن امرأة شابة.. وهذا ما جعل وجع هذه البطلة يتراكم فتلتجئ للماضي لتختلق بعض لحظات الفرح وتستحضر بذلك زوجها الحاضر الغائب ليشاركها فرحها الزائف..

ويستحضر الخطاب الضمني لمسرحية "مرا في صف الرجال " المرأة بمختلف شرائحها الاجتماعية دون أن يتناسى المرأة الريفية والقاطنة في سفوح الجبال والتي عرفت بشجاعتها وصبرها على المحن وان تناسى البعض الحادثة التي استشهدت فيها كل من البطلة شريفة الهلالي ومالية الهلالي وخيرة الهلالي وغيرهن من نساء ريف الوساعية فإن الكاتبة والممثلة زينة المساهلي أرادت للمسرح أن يؤرخ هذا الحدث "نا الشعانبي، نا السلوم،  نا سمامة، نا مغيلة، نا حراير الدوار.. الجبل نودو حجرة حجرة، شجرة شجرة وعسكر الغدرة متخبية في الغار نا الحرة ماتخافش في الموت نتحدى ونا وياه نتواجهوا جهار نهار.. ناشمس الفجاري تحنيت بالألغام في الأقدام وبيه تزينت الساقية ومسارب الدوار"... فان تناسى التاريخ ولم يلتزم بتدوين بطولات نساء الوساعية وان أهملتها الخطابات السياسية الخشبية فلن يتناساها المسرح والركح.

وهنا تبرز أهمية المسرح ودوره في كشف الوجع وتشخيص بطولات "حراير" تونس وكيفية تشبثهن بالأرض حتى ان احداهن استشهدت وقد عثر على قلبها العنيد في أعلى شجرة الصفصاف حيث حاول أهالي المنطقة جمع الأشلاء المتناثرة الا أنهم عجزوا لأن شعرهن تمسك بأغصان الشجر.. "ويتعبى لحم الحراير في شكاير ويتخلط بالرملة والشوك والمثنان والعرعار.. نا اللي هديت قلبي وديدة نهار حصيدة خصايل شعري تمسكت عنيدة بمسارب الشوك والمثنان والعرعار..." مشاهد مؤثرة وجميلة دونت شجاعة المرأة التونسية من خلالها نتعلم كيفية الانتماء للوطن..

رسائل ضمنية أرسلتها البطلة "سندة" التي رأت في "مرآتها" أنها تشبه كل نساء الوساعية وتحمل في طياتها الكثير من المفارقة وكسر أفق الانتظار وتوحي بشرف الانتماء حيث أن هؤلاء النسوة دافعن عن شرف الأرض بـ"الفأس" وجابهن به المدافع والألغام وغيرها من الأسلحة وآثرن العمل والكفاح على الاختباء والاستسلام..

"نا القمرة كي ترقد العساسة بالفاس نحرص الحصحاص والشوك والصبار.. نا علم تونس يرفرف بالعزة نهار الحزة.. مرا حرى هذي فخرا ولاهو كفر ولاهو عار.." بهذه المشاهد الجميلة تختزل "سندة "مسيرة حياتها دون أن تتناسى دورها كشهرزاد التي حاولت عابثة أن تقنع "شهريار" بعدم ذبحها مع "الفجر وصياح الديك" ملتجئة لأسلوب الحكاية والتسلية ومن ثمة طرح ظاهرة ختان البنات وتعدد الزوجات والعودة الى زمن الجواري وكيفية بيعهن في السوق كأي بضاعة رخيصة ورجم الزانيات وإعطائهن "صك التوبة" للدخول للجنة وجهاد النكاح وغيرها من المواضيع التي تمس جسد المرأة وتلغي الجانب الروحي والفكري لديها.

عمل مسرحي جاد لا تخلو مضامينه من الجمالية في الأسلوب والصورة، مشاهد مسرحية متعددة، سينوغرافيا هادفة.. مرة أخرى يبرهن لنا الفنان مقداد الصالحي صاحب فضاء مينرفا تياتر بسبيطلة مدى إيمانه بالمسرح في الكشف عن وجع الإنسانية مرورا بوجع نساء المناطق المنسية المجاورة.